Follow us on Steam Follow us on FB Follow us on Twitter Subscribe on Youtube

صفات المؤمنين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صفات المؤمنين

    صفات المؤمنين

    الإيمان بالغيب


    من صفات المؤمنين
    1- الصفة الأولى الإيمان بالغيب:
    إن من صفات المؤمنين التي نوه الله عنها في كتابه العزيز: (الإيمان بالغيب)، وقد مدح الله المؤمنين وأثنى عليهم في اتصافهم بهذا الوصف، ووعدهم عليه - مع أوصاف أخرى - الفلاح؛ وهو الفوز بما يطلبون من كرامة الله ورضاه، والنعيم المقيم في الجنان في الدار الآخرة، فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال، والنجاة من المرهوب من الإهانة والعذاب السرمدي الأبدي في النار، الذي لا صبر لأحد على بعضه.


    وعدهم هذا الوعد الحسن الكريم لاتصافهم بالإيمان بالغيب مع إقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله، والإيمان بما أنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والإيمان بما أنزل على الرسل السابقين للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخبر أنهم هم المهتدون؛ لأنهم على صراط مستقيم، فقال -تعالى- في أول سورة البقرة: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
    يا له من ثناء، ويا له من فوز عظيم لا يشبهه فوز، ويا له من فخر وشرف واعتزاز، ويا لها من سعادة حقة، فلا ثناء أعظم من ثناء الله -عز وجل- ولا كرامة فوق كرامة الله -عز وجل- ولا نعيم أفضل من نعيمه، ولا كرم أحسن من كرمه -عز وجل-، فالله سبحانه يثني عليك -أيها المؤمن- في إيمانك بالغيب، ويعدك على ذلك الفلاح والفوز والظفر والسعادة، ويخبرك أن المؤمن بالغيب -مع الأوصاف الأخرى- قد استقام على شرع الله، فهو على هداية من ربه.
    ولكن يا أخي الكريم: ما الإيمان بالغيب الذي هذا شأنه؟ أما الإيمان وحده فهو في اللغة التصديق بالقلب، ولكنه في الشريعة الاعتقاد بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح.
    فالإيمان كلمة جامعة للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وتصديق الإقرار بالأفعال، فالإيمان الشرعي مطلوب لا بد فيه من الاعتقاد والقول والعمل، وتدخل الخشية لله - وهي من أعمال القلوب - في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل.
    وقد اختلفت عبارات العلماء في تفسير الإيمان، فمنهم من فسره بالتصديق، ومنهم من فسره بالعمل، ومنهم من فسره بالخشية، وهي خلاصة الإيمان والعلم، وكل هذه التفسيرات صحيحة؛ إذ أنها كلها داخلة في مسمى الإيمان، وهي بعض مسمى الإيمان، والإيمان يشملها كلها فهو أعم منها.
    والإيمان أعم من الإسلام وأفضل؛ فكل إيمان إسلام، وقد يطلق على الرجل الإسلام، ولا يطلق عليه الإيمان إذا لم يقم بواجب الإيمان الحقيقي، كما قال الله -تعالى- في سورة الحجرات: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ .
    والإيمان مأخوذ من الأمان، وسمي المؤمن مؤمنا؛ لأنه يؤمن نفسه من عذاب الله، والله -تعالى- من أسمائه: المؤمن؛ لأنه يؤمن العباد من عذابه، وقد وردت أدلة كثيرة تدل على أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وأن الإيمان لا يكون بدون العمل؛ كقوله -تعالى-: وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ .
    وكقوله -تعالى-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ .
    وكقوله -تعالى-: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
  • #2

    رد: صفات المؤمنين

    إقامة الصلاة
    2- الصفة الثانية من صفات المؤمنين إقامة الصلاة:
    من صفات المؤمنين إقامة الصلاة، وهي من الصفات الظاهرة العملية، وقد وصف الله المؤمنين بهذا الوصف في غير ما آية من كتابه، فقال -تعالى-: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ .

    وقال -تعالى-: هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ .
    وقال -تعالى-: هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ .
    وقال -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .
    وقد أمر الله المؤمنين بالاتصاف بهذا الوصف - إقامة الصلاة - في مواضع من كتابه، فقال -تعالى-: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وقال -تعالى-: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقال -تعالى-: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ .

    وقد اختلفت عبارات السلف في معنى هذا الوصف -إقامة الصلاة-:
    1- فعن ابن عباس ( إقامة الصلاة: إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع، والإقبال على الله فيها).
    2- وقال قتادة (إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها).
    3- وقال مقاتل بن حيان (إقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها، والتشهد والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-).
    قلت: وكل هذه المعاني صحيحة، وإقامة الصلاة يشمل ذلك كله، ويجمع هذه المعاني أن يقال: إقامة الصلاة: عبارة عن إدامتها، والمحافظة عليها في مواقيتها بحدودها وأركانها وهيئاتها؛ لأن إقامة الشيء عبارة عن الإتيان بحقوقه، يقال: قام بالأمر، وأقام الأمر إذا أتى به معطيًا حقوقه.
    والصلاة في اللغة: الدعاء، قال الله -تعالى-: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أي: ادع لهم، وفي الشريعة: اسمٌ لأفعال مخصوصة من قيام وركوع وسجود وقعود ودعاء وثناء، على هيئة مخصوصة في أوقات مخصوصة.
    وبهذا يتبين لك -أيها المسلم- أن إقامة الصلاة ليس هو مجرد الإتيان بهذه الأفعال المخصوصة فقط، دون إتمام لها وخشوع وطمأنينة فيها ومحافظة عليها وإدامة لها، فإن الله -تعالى- توعد بالويل لمن صلى ولم يقم صلاته، بل سها وغفل عن مقصود الصلاة ولبّها، وروحها، فقال -تعالى-: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ .
    فليس كل من صلى يعتبر مقيمًا للصلاة، وذلك أن إقامة الصلاة يتطلب إتمامًا لها، وإخلاصًا فيها، وخشوعًا وخضوعًا، ورغبة ورهبة.
    ولما فُقِدَت هذه المتطلبات في صلاة المنافقين لم يزدادوا بها من الله إلا بُعدًا، وكانوا في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم لا يصلون صلاة تامة عن إخلاص ورغبة ورهبة، وإنما يصلون نفاقًا ومراءاة للناس، ولا يتمون ركوعهم وسجودهم واعتدالهم، بل ينقرونها كنقر الغراب، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلا.

    تعليق

    • #3

      رد: صفات المؤمنين

      الخشوع في الصلاة
      3- الصفة الثالثة من صفات المؤمنين الخشوع في الصلاة:
      إن من صفات
      المؤمنين العظيمة: الخشوع في الصلاة، وقد ذكر الله -تعالى- هذا الوصف في أول صفات المؤمنين الذين أخبر بتحقيق فلاحهم وفوزهم وسعادتهم ونجاتهم، وإرثهم لأعلى الجنة وهو الفردوس وخلودهم فيه، وذلك في أول سورة "المؤمنون"، حيث يقول الله -تعالى- في مطلع هذه السورة الكريمة: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ .
      ثم ذكر -تعالى- بقية الأوصاف، ثم قال -تعالى- مخبرًا عن عظيم جزائهم وثوابهم: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
      وأصل الخشوع: السكون والطمأنينة والانخفاض، وفي الشرع خشية من الله تكون في القلب، فتظهر آثارها على الجوارح.
      وقد عدّ الله من صفات الذين أعد لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا في قوله في سورة الأحزاب: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ - إلى قوله -: وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ ثم ختم الآية بقوله: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا .
      وقد بَيَّن الله أن الصلاة صعبة وشاقة على غير الخاشعين، وأنها سهلة هيّنة على الخاشعين فقال -تعالى-: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
      وقد اختلف العلماء في معنى الخشوع في الصلاة على أقوال كثيرة منها:
      1- قيل: هو الإخبات والتَّذَلُّل.
      2- وقيل: هو الخوف والسكون.
      3- وقيل: هو التواضع.
      4- وقيل: هو غضّ البصر، وخفض الصوت، كما قال -تعالى-: وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ .
      5- وقيل: هو عدم الالتفات.
      6- وقيل: هو أن يكون نظر المصلي إلى موضع سجوده، واستدلوا بما يأتي:
      أ - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينظر إلى السماء في الصلاة، فأنزل الله: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر حيث يسجد.
      ب - حديث عائشة قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد .
      ج - حديث أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يزال الله مقبلًا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه .
      د - قول أبي هريرة كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، فلما نزل: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ رموا بأبصارهم إلى مواضع السجود.
      هـ- حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله حتى قال: لينتهين عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم .
      وأكثر أهل العلم على أن المصلي ينظر إلى موضع سجوده، لما سبق من الأدلة، وخالف المالكية الجمهور فقالوا: إن المصلي ينظر أمامه، لا إلى موضع سجوده، واستدلوا لذلك بقوله -تعالى-: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قالوا: فلو نظر إلى موضع سجوده لاحتاج أن يتكلف ذلك بنوع من الانحناء، وذلك ينافي كمال القيام، وينافي ظاهر الآية المتقدمة؛ إذ أن المنحني بوجهه إلى موضع سجوده ليس بمولٍّ وجهه شطر المسجد الحرام.
      7- وقيل: الخشوع السكون وحسن الهيئة.
      8- وقيل: الخشوع أن لا يعبث بشيء من جسده في الصلاة، وروي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبصر رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه .
      9- وقيل: الخشوع في الصلاة: هو جمع الهمّة والإعراض عما سواها، والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر.
      قلت: وكل هذه الأقوال صحيحة، وهي داخلة في معنى الخشوع، والخشوع أعم منها؛ إذ الخشوع خشوعان:
      1- خشوع القلب بجمع الهمّة وحضور القلب، والتدبر لما يجري على اللسان من القراءة والذكر، ولما تسمعه الأذن من قراءة إمامه.
      2- وخشوع الجوارح بسكونها وعدم العبث والالتفات إلى غير مقصود الصلاة.
      وبعد معرفة معنى الخشوع في الصلاة. فلو نظرنا في واقعنا، وأمعنا النظر لوجدنا الكثير من المصلين لا يخشع في صلاته، بل غفل عن المعنى المقصود من الصلاة، وقد استولت الغفلة والخواطر والوساوس وحديث النفس والشكوك على الكثير منهم، فيدخل في صلاته ويخرج منها، وما يدري كم صلى، ولا كيف صلى، ولا ماذا قرأ إمامه، فلا يتدبر القراءة، ولا يستحضر عظمة الله -تعالى-، ولا يستجمع همّته عند ذكر، أو تسبيح، أو تشهّد، أو قراءة، وكثر العبث من كثير من المصلين في صلاتهم حتى كأنه ليس في الصلاة، فمنهم من يعبث بلحيته، ومنهم من يدخل أصابعه في خيشومه، ومنهم من يفرقع بأصابعه، ومنهم من يتمايل من جنب إلى جنب، ومنهم من يتثاءب ولا يكظم بل يخرج صوتًا منكرًا، ومنهم من يعبث بساعته، ومنهم من يتشاغل بتعديل عباءته ومشلحه أو ثوبه، ويتكرر ذلك منه بلا حاجة.
      وكل هذه الأفعال تدل على أن هذا المصلي قد التفت قلبه عن الله -تعالى-، وأن جسمه موجود مع المصلين، ولكن قلبه يجول في كل واد، وهذا يدل على فقدان الخشوع في الغالب، وهذا مصداق ما ورد في الحديث: أن أول ما يفقد من هذه الأمة: الخشوع، حتى لا تكاد ترى خاشعا .
      والخشوع -يا أخي المسلم- هو لب الصلاة وروحها، والصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح؛ لذلك ينبغي للرجل إذا أقبل إلى المسجد يريد الصلاة أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع، وأن يكون عليه السكينة والوقار، فما أدرك صلى، وما فاته قضى، ولا بأس أن يسرع قليلًا إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى.
      وإذا دخل في الصلاة فليحذر من الالتفات، وإذا سجد فليضع أصابعه -يديه- حذو أذنيه، ويضم أصابعه، ويوجهها نحو القبلة، ويرفع مرفقيه وساعديه ولا يلزقهما بجنبيه، فقد ورد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد، لو مرت بُهيمة من تحت ذراعيه لنفذت وذلك لشدة مبالغته في رفع مرفقيه وضبعيه

      تعليق

      • #4

        رد: صفات المؤمنين

        المحافظة على الصلاة
        4- الصفة الرابعة من صفات المؤمنين المحافظة على الصلاة:
        إن من صفات المؤمنين الظاهرة: ( المحافظة على الصلاة) وقد جعل الله -سبحانه- المحافظة على الصلاة من أسباب نيل الفردوس فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .

        وقد استثنى الله في سورة المعارج المصلين من الهلعين الجزعين المانعين للخير، فقال سبحانه: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ .
        ثم ختم أوصافهم بالمحافظة على الصلاة ووعدهم على ذلك الإكرام في الجنات، فقال سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
        ومن أجل ذلك أمر الله بالمحافظة عليها في قوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وذم وتوعد من لم يحافظ عليها في قوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا .
        وقال -تعالى-: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ .
        وقال -تعالى- في ذم المنافقين … وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ .
        وقال أيضًا فيهم: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى .
        فهذه الآيات كلها تتوعد من أضاع الصلاة، واتبع الشهوات، وتهدده بالغي وبالويل، وتبين أن إضاعتها، والتكاسل عنها من صفات المنافقين لا المؤمنين وصرحت الآيات أن من صفات المؤمنين المحافظة عليها وإدامتها وإقامتها والخشوع فيها، ولكن ما المراد بالمحافظة على الصلاة؟
        المحافظة عليها تشمل إتمام أركانها وشروطها وسنتها، وتشمل فعلها في أوقاتها في الجماعات في المساجد.
        وقد فسر بعض السلف المحافظة على الصلاة بالمحافظة على الأوقات، أي: المواظبة عليها في مواقيتها، وهذا تفسير للكل بالبعض؛ إذ أن المحافظة على الصلاة تشمل مراعات أوقاتها، وتشمل إتمام أركانها وشروطها، وتشمل مراعات الجماعات في المساجد، وقد وردت أدلة فضل المواظبة على الصلاة في مواقيتها.
        من ذلك ما ورد في الصحيح عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها الحديث.
        كما وردت أدلة كثيرة في الترهيب من تأخير الصلاة عن وقتها؛ من ذلك ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وتر أهله وماله .
        ومن ذلك قوله -تعالى-: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ وقد فسر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السهو عنها بأنه تأخيرها عن وقتها، كما ثبت ذلك عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، وفيه حديث مرفوع.
        وقد وردت أدلة في الترهيب من تأخيرها عن وقتها، ومن ذلك قوله -تعالى-: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا وقد فسّر بعض السلف إضاعتها بتفويت وقتها، والتحقيق أن إضاعتها يشمل تأخير وقتها ويشمل تركها بالكلية، ويشمل ترك واجباتها وأركانها.
        والله -سبحانه- قد جعل لكل صلاة وقتًا محدود الأول والآخر، ولم يأذن في فعلها قبل دخول وقتها ولا بعد خروج وقتها، والصلاة في الوقت واجبة على كل حال، حتى أنه يترك جميع الواجبات والشروط لأجل الوقت، فإذا عجز عن الوضوء، أو استقبال القبلة، أو طهارة الثوب والبدن، أو ستر العورة، أو قراءة الفاتحة، أو القيام في الوقت، وأمكنه أن يصلي بعد الوقت بهذه الأمور، فصلاته في الوقت بدونها هي التي شرعها الله وأوجبها.
        وليس له أن يؤخر الصلاة بعد الوقت لأجل أن توجد هذه الشروط والأركان، فعلم بهذا أن الوقت مقدم عند الله ورسوله على جميع الواجبات، وهو داخل في المحافظة على الصلاة.

        تعليق

        • #5

          رد: صفات المؤمنين

          حفظ الفروج
          5- الصفة الخامسة من صفات المؤمنين حفظ الفروج:
          إن من صفات
          المؤمنين المفلحين: حفظ الفروج من اللواط والزنا، ونحو ذلك، وقد أخبر الله -تعالى- في كتابه أن حفظ الفروج من صفات المؤمنين المفلحين، الذين يرثون الفردوس ويخلدون فيها، فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ثم قال -تعالى-: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
          وأثنى -سبحانه- في سورة " سأل " على المؤمنين في اتصافهم بأوصاف منها حفظ فروجهم، وأخبر أنهم يدخلون الجنات يكرمون فيها بالنعيم، فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ثم قال: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
          وبين الله في كتابه أن حفظ الفروج لا يلزم المؤمنين عن نسائهم الذين ملكوا الاستمتاع بهن بالزواج، أو بملك اليمين وهو التمتع السراري، وبين أن من لم يحفظ فرجه عن زوجته أو سريّته لا لوم عليه، وأن من ابتغى تمتعًا بفرجه وراء ذلك غير الأزواج والمملوكات، فهو من المعتدين المتعدّين حدود الله، المجاوزين ما أحله الله إلى ما حرمه، فقال -تعالى- في سورتين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ .
          إن الزنا ليس من صفة المؤمنين ؛ لأنه ينافي حفظ الفروج الذي أخبر الله أنه من صفة المؤمنين المفلحين، ولذلك حرمه الإسلام، ونهى الله عباده عنه وعن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه، وبين أنه فاحشة، وأنه بئس طريقًا ومسلكًا، فقال -تعالى-: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا .
          وسماه الله فاحشة أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر، وما ذاك إلا لتضمنه التجري على الحرمات في حق الله، وفي حق المرأة، وفي حق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد، ولذلك يقول سبحانه: وَسَاءَ سَبِيلًا أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.
          ولقبح هذا الذنب وعظمه وشناعته وبشاعته قرنه الله بالشرك وقتل النفس، وأثنى على عباده في بعدهم عن هذه القبائح الثلاث: الشرك والقتل والزنا، وتوعد من فعل ذلك بالحصول على الإثم ومضاعفة العذاب، فقال في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ الآية.
          إن جريمة الزنا تنافي هذه الصفة الحميدة؛ لأن الزنا رذيلة تدنس عرض صاحبها، وعرض من قارفها ومازجها، ولذلك حرّم الله على المؤمن أن ينكح زانية، وعلى المؤمنة أن تنكح زانيًا، إلا أن يتوبوا، قال -تعالى-: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ؛ إذ الظالم يحشر مع زوجه، كما قال -تعالى-: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ أي: قرناءهم، ومقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها أشد الاقترانات والازدواجات.
          فحرم الله الزنا لما فيه من الشر العظيم، وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفَّها بسبب اشتغاله بغيرها، وبعض هذا كاف في التحريم، وقد نفى الله الإيمان عن الزاني في قوله -تعالى-: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي: حرم نكاح الزاني والزانية، فلو كان مؤمنا بالله حقا لم يقدم على ذلك، وفي هذا دليل على أن الزاني ليس مؤمنا حقًا.
          ويؤيد هذا الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .
          فالزاني وإن لم يكن مشركا، لكنه لا يطلق عليه اسم المدح الذي هو الإيمان المطلق.
          والزنا من أعظم الذنوب وأفحشها فهو من الكبائر العظيمة، وفي الحديث: ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له .
          وقد عالج الإسلام نزعة حب الزنا، والتطلع إليه بتصور الإنسان المتطلع إليه لكراهته للزنا لو وقع على إحدى محارمه، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه-: أن فتى شابا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: أُدنه، فدنا منه قريبا، فقال: اجلس، فجلس فقال: أتَحبّه لأمك، قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك، قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء .
          وقد عظم الله أمر الزنا فأمر بجلد الزاني، كما جاءت السنة برجم الزاني إذا كان محصنا، فإن الزاني لا يخلو: إما أن يكون بكرًا وهو الذي لم يتزوج، أو محصنًا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل، فإن كان الزاني بكرًا لم يتزوج، فإن حده مائة جلدة، كما قال -تعالى-: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ .
          ويزاد على ذلك أن يغرّب عاما، وإن كان الزاني محصنًا فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين الذين أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال أحدهما يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا - يعني أجيرا - على هذا، فزنا بامرأته فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام، وَاغْدُ يا أُنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها فاعترفت فرجمها .
          وفي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إن كان بكرًا لم يتزوج، وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم

          تعليق

          • #6

            رد: صفات المؤمنين

            رعاية الأمانة
            6- الصفة السادسة من صفات المؤمنين رعاية الأمانة:
            إن من صفات
            المؤمنين المفلحين الوارثين للفردوس: أنهم راعون لأمانتهم، قال الله -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ثم قال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
            وقال -تعالى- في سورة سأل: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ثم قال: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
            وما تضمنه هاتان الآيتان الكريمتان من حفظ الأمانات والعهود جاء مبينًا في آيات كثيرة كقوله -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .
            وكقوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
            وقوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .
            وقوله: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ .
            ولقد مدح الله الذين هم راعون لأماناتهم، والراعي هو القائم على الشيء بحفظ وإصلاح، وفي الحديث: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته .
            والأمانة تشمل كل ما استودعك الله أمره وأمرك بحفظه، فيدخل فيها حفظ جوارحك عن كل ما لا يرضي الله.
            وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس، والأمانات تعم أيضًا جميع الواجبات على الإنسان سواء كان واجبًا عليه ابتداء، وهو ما يتساوى فيه الناس من حقوق الله -تعالى- على عباده كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها، أو كان واجبًا لسبب من الأسباب من حقوق الله -تعالى- كالكفارات والنذور.
            وتشمل الأمانات أيضا: حقوق العباد بعضهم لبعض، وهذا لا يتساوى فيه الناس، بل إنما يجب لسبب من الأسباب كالديون والودائع والعواري، ويدخل في ذلك الولايات كالإمامة والإمارة والوزارة والرئاسة والإدارة ورعاية الأسرة والوظائف وتأدية الودائع إلى أصحابها، وغير ذلك مما يؤتمن عليه الإنسان من غير اطلاع بيّنه على ذلك، كل ذلك داخل في الأمانة التي أمرنا الله عز وجل بأدائها في قوله -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .
            وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك .
            وفي سماع الحسن من سمرة كلام لأهل العلم، وبهذا يتبين أن الأمانة عامة تشمل جميع الفرائض التي ائتمن الله عليها العباد، وأنها ليست خاصة بالودائع كما قد يتوهمه بعض الناس، وإنما الودائع من الأمانات التي وجبت بسبب من الأسباب لا بأصل الشرع.
            والفرائض التي وجبت بأصل الشرع أمانة عامة على كل شخص في الجملة. وهذه هي الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملها وأشفقن منها، كما قال -تعالى-: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ .
            وهذا العرض للأمانة على السماوات والأرض والجبال عرض تخيير لا إلزام، ولو ألزمهن الله -عز وجل- لم يمتنعن من حملها؛ إذ الجمادات كلها خاضعة لله -عز وجل- مطيعة له، مسبّحة له، ساجدة له، كما قال -تعالى-: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .
            وقال: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .
            وقال في الحجارة: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقال: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ الآية.
            ولا تنافي بين تفسيرنا للأمانة بالتكليف، وبين ما روي عن بعض السلف في تفسير الأمانة ببعض الواجبات كما روي عن بعضهم أنه قال: الأمانة الغسل من الجنابة.
            وقال بعضهم: الأمانة ثلاثة: الصلاة والصوم، والاغتسال من الجنابة، وقال بعضهم: الأمانة هي الفرائض، وقال آخرون: هي الطاعة، وقال بعضهم: الأمانة: الدين والفرائض والحدود.
            وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: الأمانة أداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وصدق الحديث، وقضاء الدين، والعدل في المكيال والميزان، وأشد من هذا كله الودائع.
            وقال مجاهد الأمانة: الفرائض وحدود الدين.
            وقال أبو العالية ما أمروا به ونهوا عنه.
            وقال زيد بن أسلم هو الصوم، والغسل من الجنابة، وما يخفى من الشرائع.
            وقال بعضهم: هي أمانات الناس، والوفاء بالعهود.
            وهذه الأقوال لا تنافي بينها، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنه إن قام بذلك أُثيب، وإن تركها عوقب، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه إلا من وفقه الله.
            فالأمانة تعم جميع وظائف الدين، فتتناول الصلاة والزكاة وسائر العبادات، وهي عامة في جميع الناس، فتتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال وردّ الظلامات، والعدل في الحكومات، وتتناول مَن دونهم من الناس في حفظ الودائع، والتحرز في الشهادات، والحكم في نازلة من النوازل، وغير ذلك.
            ويدخل في ذلك حفظ الجوارح عن المحرمات، فالأُذن أمانة، والعين أمانة، واللسان أمانة، والبطن أمانة، والفرج أمانة، واليد أمانة، والرجل أمانة، والعلم أمانة، والعقل أمانة، والولد أمانة، والولاة مؤتمنون ومسئولون، فولي الأمر ورئيس الدولة مؤتمن ومسئول، والأمير مؤتمن ومسئول، والوزير مؤتمن ومسئول، والموظف مؤتمن ومسئول، والمدرس مؤتمن ومسئول، والطالب مؤتمن ومسئول، والرجل في بيته مؤتمن ومسئول، والمرأة في بيت زوجها مؤتمنة ومسئولة، والخادم في مال سيده مؤتمن ومسئول، كما في الحديث الصحيح: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته .
            ومن عنده وديعة فهو مأمور بحفظها وردها إلى أهلها، وكل واحد مأمور بأداء الأمانة، قال الله -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .
            وقال ابن عباس لم يرخص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة، وفي الحديث: أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك .
            ومن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لتؤدنّ الحقوق إلى أهلها حتى يقتصّ للشاة الجمّاء من القرناء .
            وعن عبد الله بن مسعود قال: إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتى بالرجل يوم القيامة، وإن كان قد قتل في سبيل الله، فيقال: أدّ أمانتك، فيقول: فأنى أؤديها وقد ذهبت الدنيا؟ فتُمثّل له الأمانة في قعر جهنم فيهوي إليها فيحملها على عاتقه، قال: فتنزل عن عاتقه، فيهوي على أثرها أبد الآبدين".
            وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خمس من جاء بهن يوم القيامة مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وأعطى الزكاة من ماله طيّب النفس بها - وكان يقول - وأيم الله، لا يفعل ذلك إلا مؤمن، وأدّى الأمانة، قالوا: يا أبا الدرداء وما أداء الأمانة؟ قال -رضي الله عنه-: الغسل من الجنابة، فإن الله -تعالى- لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيره

            تعليق

            • #7

              رد: صفات المؤمنين

              حفظ العهد
              7- الصفة السابعة من صفات المؤمنين حفظ العهد:
              إن من صفات المؤمنين التي مدح الله أهلها وأثنى عليهم: حفظ العهود والعقود، ومراعاتها والوفاء بها، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة في القرآن الكريم، من ذلك قوله -تعالى- في موضعين من كتابه: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وقال -تعالى- آمرًا عباده بالوفاء بالعهود والعقود: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا وقال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ .
              وأخبر -تعالى- عن نفسه بأنه لا أحد أوفى منه -سبحانه- بالعهد فقال: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ وتوعد -سبحانه- من ينقض العهد بوعيد شديد، وهو اللعنة وسوء الدار، فقال: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ .
              والوفاء بالعقود والعهود عام يشمل عهود الإيمان والقرآن، والعقود التي يتعاقدها الناس بينهم كعقد الحِلف، وعقد الشركة، وعقد البيع، وعقد النكاح، وعقد اليمين، وعقد الإجازة، وغير ذلك، وقد فسر السلف قوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فقالوا: هي:
              1- عهود الإيمان والقرآن.
              2- وقيل: العقود: هي العهود، وهي ما أحل الله وما حرم، وما فرض، وما حدّ في القرآن كله.
              3- وقيل: العقود: ما أحل الله وحرم، وما أخذ الله من الميثاق على من أقرّ بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام.
              وكل هذه الأقوال متفقة المعنى، فإذا عقد الإنسان عقدا وجب عليه أن يفي به، وأن يرعاه ويلتزم به، كما أمر الله -تعالى- بذلك، فإذا عقد يمينًا، أو أوجب على نفسه نذرًا وجب عليه أن يلتزم به، وأن يتحلل منه بكفارة. وكذلك سائر العقود من البيع، أو الإجارة، أو النكاح، أو غيرها.
              وهذا هو شأن المؤمنين وهذا هو وصف المؤمنين الخلّص الذين وعدهم الله وراثة الفردوس بين أن من وصفهم رعاية العهد، وقد عقد الله -سبحانه- مع عباده المؤمنين عقدًا، وعاوضهم عن أنفسهم وأموالهم إذا بذلوها في سبيله بالجنة، وتكفّل لمن خرج في سبيله لا يخرج إلا لجهاد في سبيل الله، والتصديق برسول الله إنْ توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى أهله نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة.
              وأخبر الله -سبحانه- أنه لا أحد أوفى منه بعهده، فقال: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ووعد وبشّر من قام بمقتضى هذا العقد، ووفى بهذا العهد بالفوز العظيم، والنعيم المقيم، فقال: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
              وقد بيّن الله في كتابه أن من صفات علماء المؤمنين الوفاء بالعهد، وصلة الأرحام وغيرها، وأخبر أن لهم عقبى الدار وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة، فقال -تعالى-: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ - إلى قوله -: أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ .
              كما بين من صفات الأشقياء نقض العهد من بعد ميثاقه، وقطع الأرحام، وأن مصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ .
              والنبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن من صفة المنافقين الغدر في العهد، ففي الحديث: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان وفي رواية: وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر .
              وقد أمر الله بالوفاء بالعهد، وهو ما يعاهد الرجل عليه الناس، والعقود التي يتعامل بها، وما يلتزمه الإنسان على نفسه، وبيّن أن العهد والعقد كل منهما يسأل عنه صاحبه، فقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا .
              وقيل: المراد بالعهد في هذه الآية: هو الإتيان بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى الله عنه، وعلى هذا القول فما يعاهد الرجل عليه الناس، والعقود التي يتعامل بها معهم مما أمر الله بالوفاء به، قال -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .
              وقد أمر الله -تعالى- بالوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكدة، ونهى عن نقض العهود، واتخاذ أيمانها دخلًا وخداعًا، وهدد وتوعد من نقض الأيمان بعد توكيدها، فقال -تعالى-: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ .
              ويدخل في نقض العهد نقض البيعة؛ ولهذا قيل: إن هذه الآية نزلت في بيعة النبي -صلى الله عليه وسلم-: كان من أسلم بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام، فقال -تعالى-: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ أي: البيعة التي بايعتم على الإسلام، ولا يحملنكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة.
              وفي الحديث: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر - إلا أن يكون الإشراك بالله - أن يبايع رجل رجلًا على بيعة الله ورسوله، ثم ينكث بيعته، فلا يخلفن أحد منكم يدًا ولا يُسْرفن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون فصل بيني وبينه .
              إن كلًا من العهد والعقد يسأل عنه صاحبه يوم القيامة، وقد أخبر الله أن شرّ ما يدب على وجه الأرض هم الذين كفروا، وبين أن من صفاتهم - وخصوصًا اليهود - نقض العهد - عكس ما كان عليه المؤمنون من حفظ العهد والوفاء به-، فالكفار كلما عاهدوا عهدا نقضوه، وكلما أكدّوه بالأيمان نكثوه، فقال -تعالى-: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ .

              تعليق

              • #8

                رد: صفات المؤمنين

                الإعراض عن اللغو
                8- الصفة الثامنة من صفات المؤمنين الإعراض عن اللغو:
                إن من صفات المؤمنين المفلحين: إعراضهم عن اللغو، وقد بين الله في أول سورة "المؤمنون" أن هذه الصفة "الإعراض عن اللغو" من صفات المؤمنين المفلحين الموعودين بالفردوس، فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ .
                ثم قال -تعالى- مبيّنًا لجزائهم بعد ذكر صفاتهم: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
                وأصل اللغو ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، فيدخل فيه اللعب واللهو والهزل، وما توجب المروءة تركه، قال ابن كثير -رحمه الله- على هذه الآية: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ أي: عن الباطل، وهو يشمل الشرك كما قال بعضهم، والمعاصي كما قال الآخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال ا.هـ.
                وما أثنى الله به على المؤمنين المفلحين في هذه الآية أشار إليه في مواضع من كتابه كقوله -تعالى-: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا أي: إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه؛ لأن من مرورهم به كرامًا إعراضهم عنه، وعدم مشاركتهم أصحابه فيه، وقد كان السلف الصالح مثالًا أعلى في تطبيق صفات المؤمنين فقد ورد في تطبيق صفات المؤمنين فقد ورد في تطبيق هذه الصفة أن ابن مسعود -رضي الله عنه- مر بلهو فلم يقف، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما ثم تلا إبراهيم بن ميسرة وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا .
                وقال مقاتل على هذه الآية: إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا، وقيل: اللغو: المعاصي كلها، ومعنى "مروا كرامًا" مسرعين معرضين، يقال: تكرَّم فلانًا عما يشينه إذا تنزّه وأكرم نفسه عنه، ولما كان سلفنا الكرام مثالًا يحتذى به مَن بعدهم إلى يوم القيامة في تطبيق الشريعة، والاتصاف بأوصاف المؤمنين التي نوّه الله عنها في كتابه.
                وأثنى على أهلها لما كانوا كذلك حصلت لهم العزة والسيادة والكرامة في الدنيا فاستخلفهم الله في الأرض، ومكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ونشروا العدل والأمن والرخاء، وفازوا برضاء الرب -تعالى- وجنته وكرامته في الآخرة، وتحقق فيهم وعد الله -تعالى- بقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا .
                ما أحرانا وما أجدرنا -أيها المسلم- أن نقتدي بسلفنا صالح في التحلي بصفات المؤمنين وتطبيق أحكام الدين؛ لتحصل لنا العزة والكرامة في الدنيا، والثواب والفوز في الآخرة، وفقنا الله لذلك بمنه وكرمه.
                وتفسير بعض السلف للغو بأنه يشمل كل باطل ولهو، وما لا يحمل من القول والفعل لا ينافي تفسير البعض الآخر منهم للغو بالشرك، أو بالمعاصي كلها؛ لأن الشرك والمعاصي من الباطل، بل عين الباطل.
                وقد أخبر الله -تعالى- عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أن من أوصافهم أنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، ولا يخالطون أهله، ولا يعاشرونهم، وإذا سفه عليهم سفيه وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه أعرضوا عنه، ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب، قال الله -تعالى- إخبارًا عنهم: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ .
                قيل: إن هذه الآية نزلت في نفر من النصارى قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحبشة حين بلغهم خبره، فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مسألة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما أرادوا دعاهم إلى الله -تعالى-، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.
                فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم: خيّبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال، ما نعلم ركبًا أحمق منكم، أو كما قالوا لهم، فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيرًا".
                أيها المسلم: إن هذه الحياة قصيرة، فلا مجال فيها للهو واللعب، وساعات العمر معدودة، وما تلفظ من قول إلا لديك رقيب عتيد، فذو العقل الحصيف، والرأي الصائب لا يضيع أوقاته وساعاته المحدودة المعدودة في لهو وباطل، ومخالطة ومعاشرة لأهله، بل يَرْبَأ بنفسه عن مثل ذلك، ولا يُقحمها فيما فيه هلاكها، بل العاقل يكون على الهمة، طاهر النفس، يحمل نفسه على مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، ويبتعد عن الرذائل وسفاسف الأخلاق، لا سيّما وديننا الحنيف يأمرنا بذلك، ويحثنا على التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن السجايا، ويُنَوّه بالمؤمنين ويثني عليهم في اجتنابهم اللغو وإعراضهم عنه، ويعدهم على ذلك الثواب الجزيل، ويخبر أنهم أهل الفلاح.
                فكن يا أخي من هؤلاء، لعلك تحظى بالفلاح والفوز العظيم. رزقنا الله العلم النافع، والعمل الصالح، وجعلنا ممن يستمع القول فيتّبع أحسنه.

                تعليق

                • #9

                  رد: صفات المؤمنين

                  فعل الزكاة
                  9- الصفة التاسعة من صفات المؤمنين فعل الزكاة:
                  من صفات
                  المؤمنين المفلحين الذين وعدهم الله الفردوس: "فعل الزكاة" قال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ثم قال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ .
                  أخي المسلم: ما المراد بفعل الزكاة الذي هو من أوصاف المؤمنين المفلحين؟ في المراد بالزكاة في هذه الآية وجهان من التفسير، معروفان عند أهل العلم
                  أحدهما: أن المراد بها زكاة الأموال، وإن كانت الآية مكية إلا أن أصل الزكاة فرض بمكة قبل الهجرة، وأما الزكاة التي فرضت بالمدينة فهي ذات النصب والمقادير الخاصة، وعلى هذا التفسير فيكون من أوصاف المؤمنين فعل الزكاة، ودفعها من أموالهم للمستحقين، ولا شك أن زكاة الأموال تزكي النفوس، وتطهرها من الشح والبخل، وتسمو بها إلى البذل والإنفاق، واليد العليا خير من اليد السفلى وهي الآخذة.
                  والثاني: أن المراد بالزكاة: زكاة النفس أيْ: تطهيرها من الشرك والمعاصي بالإيمان بالله، وطاعته وطاعة رسوله، وهذا المعنى جاء في آيات كثيرة، كقوله -تعالى-: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - إلى قوله تعالى -: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا أي: طهّر نفسه من الشرك والمعاصي، وكقوله -تعالى-: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وكقوله -تعالى-: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا .
                  ويؤيد هذا التفسير أن الآية مكّية، وأنه لم يُعبّر في الآية بالإيتاء، ولم يقرنها بالصلاة، فدلّ على أن المراد بها زكاة النفس من دنس الشرك والمعاصي، ولا مانع من إرادة المعنيين من الآية فيكون من وصف المؤمنين تزكية النفوس وتزكية الأموال.

                  قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "وقد يحتمل أن المراد بالزكاة هنا زكاة النفس من الشرك والدنس - إلى أن قال-: ويحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادًا وهو زكاة النفوس، وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا" ا.هـ.
                  وإذا عرفت -أخي المسلم-: أن من صفات المؤمنين الفائزين فعل الزكاة - وسواء كان المراد بها زكاة المال أو زكاة النفس، فإن ذلك يطهر النفس ويزكّيها ويُصفّيها، ويجلوها ويصقلها من أدران المعاصي والشحّ والبخل.
                  فزَكّ نفسك يا أخي، وزكّ مالك لتُنقّي نفسك مما علق بها من أدران المعاصي والبخل لتفوز بما وعد الله به الذين هم للزكاة فاعلون من الفلاح، ووراثة الفردوس في الآخرة. نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه.

                  تعليق

                  • #10

                    رد: صفات المؤمنين

                    التصديق بيوم الدين

                    10- الصفة العاشرة من صفات المؤمنين التصديق بيوم الدين:
                    من صفات الإنسان المحمودة التي تستحق الثناء: "التصديق بيوم الدين"، والتصديق بيوم الدين هو أن يوقن المسلم بالمعاد والحساب والجزاء، فيعمل عمل مَن يرجو الثواب، ويخاف العقاب.

                    وهذه الصفة إنما تكون لمن عصمه الله ووفقه وهداه إلى الخير، ويسّر له أسبابه، وإلا فالإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم، ومجبول على الأخلاق الدنيئة إذا مسه الضرّ فزع وجزع، وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير، وإذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره، ومنع حق الله -تعالى- فيها إلا من عصمه الله، فأدام الصلاة، وصدّق بيوم الدين، وخاف من عذاب الله، واتصف بالصفات الحميدة التي جاء بها الإسلام.
                    قال الله -تعالى-: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ - إلى قوله تعالى-: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ .
                    هكذا -أيها المسلم- يكون التصديق بيوم الدين من أوصاف الإنسان المحمودة التي يستحق المدح والثناء عليها، كيف لا وهو حافز قوي على التحلّي بمكارم الأخلاق، وتطبيق تعاليم الإسلام السمحة، والبعد عن سفاسف الأمور ودنايا الأخلاق، كيف لا والتصديق بيوم الدين من الإيمان بالغيب الذي أثنى الله على أهله، وأخبر أنهم مهتدون، ومن أهل الفلاح، قال الله -تعالى-: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ - إلى قوله -: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
                    فلا عجب بعد هذا أن يعد الله من صدق بيوم الدين مع بقية الأوصاف الأخرى بالإكرام في الجنات، قال الله -تعالى-: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
                    وما ذاك يا أخي المسلم إلا لأن المصدق بيوم الدين يعلم أنه بعد انقضاء هذه الحياة الدنيا سيكون هناك معاد وبعث للأجساد من قبورها، ثم وقوف بين يدي الله -عز وجل-، ثم حساب على الصغير والكبير والحسن والسيئ، ثم جزاء عليها جزاء على الحسنة بالثواب وعلى السيئة بالعقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
                    وهناك ميزان توزن فيه أعمال العباد صغيرها وكبيرها، حتى الخردلة: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا .
                    فمن عمل صالحًا ثقلت موازينه فأفلح وفاز بالجنات، ومن عمل سيئًا خفت موازينه فهلك وخسر وخاب بدخول النار وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ .
                    والتصديق بيوم الدين يبعث على العمل الصالح ويزجر عن السيئات، هذا التصديق بهذا اليوم العظيم، وهو يوم الدين الذي هو قائم بالقلب يبعث على العمل رغبة ورهبة، رغبة فيما عند الله من الكرامة ورهبة فيما عنده من العقوبة والعذاب الشديد.
                    فإذا أيقن المسلم بيوم الدين، وصدق تصديقًا جازمًا لا يعتريه شك عَمِل على نجاة نفسه، وتخليصها من أوضارها ودنسها الذي يهلكها، والنهوض بها إلى ما فيه عزها وكرامتها، كيف لا هو يقرأ قول الله -تعالى- في جزاء الكافرين والمؤمنين في الآخرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا .
                    تالله إن آيات القرآن لو خوطب بها جبل لتصدع: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فكيف بالإنسان ذي الإحساس والشعور، فكيف بالمسلم الذي هذّب الإسلام نفسه، وصفى سريرته، وجعله رقيبًا على نفسه، وسما به إلى الإيمان بالمغيبات، فصدق بيوم الدين، فوعده الله على ذلك الإكرام في الجنات.
                    إن المصدّق بيوم الدين -أخي المسلم- يتحتَّم عليه أن يراقب الله في سرّه وعلنه، وأن يحافظ على آداب الإسلام وتعاليمه فيرعاها، إن المصدق بيوم الدين يسارع إلى الخيرات ويضْرع إلى الله بالدعاء رغبة ورهبة، ليكون في عداد من قال الله فيهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ .
                    إن المصدق بيوم الدين وجل القلب من الله، يخشى عقابه فيجتنب محارمه ومساخطه ومناهيه، إن المصدق بيوم الدين يعتز بإسلامه، فقد رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -عليه الصلاة والسلام- رسولًا ونبيًا، إن المصدق بيوم الدين يقيم إسلامه بأركانه الخمسة؛ فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت مع الاستطاعة.
                    إن المصدق بيوم الدين يتصوّر وقوفه بين يدي الله للحساب فيتمسك بما جاء به الإسلام من تصورات ومُثُل وسلوك، لاعتقاده أن الفخر والاعتزاز بما جاء به الإسلام كيف لا، وقد رضيه الله لنا دينا: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ولا يقبل الله من أحد دينًا سواه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ .
                    إن كل ما سبق يا أخي الكريم نتيجة حتمية للتصديق بيوم الدين. وضعفه أو نقصه من ضعف، أو نقص التصديق بيوم الدين.

                    تعليق

                    • #11

                      رد: صفات المؤمنين

                      الإشفاق من عذاب الله
                      11- الصفة الحادية عشرة من صفات المؤمنين الإشفاق من عذاب الله:
                      إن من صفات
                      المؤمنين التي نوّه الله بها، وأثنى على عباده في اتصافهم بها: الإشفاق من عذاب الله، والخوف من عقابه وسطوته، فإن الله شديد العقاب كما أنه غفور رحيم، كما قال -تعالى-: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
                      وهذه الصفة -أيها المسلم- وهي الخوف والوجل والإشفاق من عذاب الله، إذا وجدت في القلب انبعثت الجوارح على العمل فعلًا وتركًا؛ فعلا للأوامر وتركًا للنواهي، وما أُرسلت الرسل وما أُنزلت الكتب إلا لتكليف العباد بالأوامر والنواهي، ومن أجل هذا استثنى الله -سبحانه وتعالى- من وجدت فيه صفة الإشفاق والخوف من عذاب الله استثناه من الكثير والغالب المطبوع، والمجبول على الأخلاق الدنيئة من الجزع عند الإمساس بالشر والمنع عند حصول الخير، فقال -تعالى-: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ .
                      ثم ذكر من أوصافهم: الخوف من عذاب الله فقال: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ثم بين جزاءهم، وأنه الإكرام في الجنات، فقال -تعالى-: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ وذلك أن عذاب الله لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان، ولهذا قال -تعالى-: إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ .
                      فالخوف والوجل حاد يحدو بالإنسان إلى ما يرضى، وباعث يبعثه على العمل لما يقرب من الله من عبادته وتوحيده وطاعته، مع الإحسان والإتقان والإخلاص، واجتناب ما يسخطه من الشرك والمعاصي والفسوق والعصيان، ولهذا ذكر الله -تعالى- أن من أوصاف الأبرار المنعّمين في الجنات، يشرب الكأس الممزوج بالكافور، ذكر من أوصافهم: الخوف والوجل من أهوال يوم القيامة، فقال -تعالى-: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا .
                      ثم ذكر من أوصافهم وأعمالهم التي بها فازوا بهذا النعيم قولهم: إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ثم قال -تعالى- مبينا أنه أمنهم مما يخافون وأعطاهم ما يطلبون، فقال -تعالى-: فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا .
                      وقد توعد الله -تعالى- مَنْ أمن مكر السيئات بالخسف أو العذاب بغتة من دون أن يشعر، فقال: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ .
                      وبين الله -تعالى- في آية أخرى أن من يأمن مكر الله خاسر، فقال: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ .
                      وبين -تعالى- أنه يسجد له ما في السماوات وما في الأرض من دابة ومن ملائكته وأنهم لا يستكبرون عن عبادة الله، بل يفعلون ما يأمرهم الله به خوفًا من ربهم العالي بذاته وقهره وقدره، فقال: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .
                      وهذه الصفة من أوصاف المؤمنين العظيمة التي استحقوا بها الإكرام في الجنات، وهي الخوف والوجل من عذاب الله من أعمال القلوب العظيمة التي تبعث على إحسان أعمال الجوارح، وذلك أن من قام بقلبه الخوف أسرع في السير إلى ربه التقرب إليه بما يرضيه، والبعد والحذر مما يسخطه.
                      من أسرع في السير يوشك أن يصل إلى ما يريد، كما في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة .
                      وقد أثنى الله -تعالى- على أهل الخشية، والخوف مع إحسان العمل وإتقانه، وبين أنهم يُعطون العطاء، وهم خائفون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط، وبيّن أنهم يبادرون إلى الأعمال الصالحة، وأنهم إليها سابقون، فقال -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ أي: هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح مشفقون من الله، خائفون منه، وجلون من مكره بهم.
                      ثم قال -تعالى- في آخر أوصافهم: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ .
                      وفي المسند والترمذي عن عائشة -رضي الله عنه- قالت: قلت: يا رسول الله: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ هو الذي يزني، ويشرب الخمر، ويسرق؟ قال: لا، يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا تقبل منه .
                      قال الحسن البصري -رحمه الله-: " عملوا والله بالطاعة واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا".
                      وقد أمر الله -تعالى- بالخوف والخشية والرهبة منه وتقواه -عز وجل-، فقال -تعالى-: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وقال فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وقال: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وقال: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ .
                      وبيّن أن العلماء العاملين هم أهل خشيته الكاملة، فقال: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وإن كان كل مؤمن يخشى الله، والخوف من الله هو أصل كل خير.
                      ومن كلام أبي سليمان الداراني " وأصل كل خير في الدنيا والآخرة: الخوف من الله -عز وجل-" ا.هـ. وذلك أن من يخاف الله -عز وجل- لا يصر على معصيته، ومن لم يخف الله لا تؤمن غوائله وغدره وخديعته ومكره، بل يتغير بتغير الأحوال والأغراض، قال الله -تعالى-: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا .
                      وكما قيل: من لم يخف الله خف منه، فالخوف من الله -أيها المسلم- يجعل على الإنسان من نفسه رقيبًا في جميع حركاته وسكناته، فلا يتحرك ولا يسكن، ولا يفعل شيئًا، ولا يترك شيئًا إلا وفق تعاليم الإسلام السمحة امتثالًا لما يطلبه، ويأمر به ويرغب فيه واجتنابًا لما تحظره عليه وينهاه عنه، فالخوف رافع وباعث على العمل، وحاجز ومانع ورادع عن كل ما يكون سببًا في الهلاك والشقاء والخيبة والحرمان.
                      رزقنا الله الخوف والخشية من الله والإشفاق من عذابه، بمنه وكرمه.

                      تعليق

                      • #12

                        رد: صفات المؤمنين

                        الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
                        12- الصفة الثانية عشرة من صفات المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
                        إن من صفات
                        المؤمنين التي أثنى الله بها عليهم، وبيّن أنها من أسباب الرحمة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله -تعالى-: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .
                        ثم ذكر الله جزاءهم الطيب وثوابهم الجزيل فقال: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
                        والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوصاف الذين ينصرون الله الموعودين بنصر الله، قال الله -تعالى-: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ .
                        وهذه الأمة المحمدية جعلها الله خير أمة بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، مع الإيمان بالله، قال الله -تعالى-: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .
                        وأوجب على هذه الأمة أن تكون منها طائفة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأخبر أنهم -بذلك- صاروا من أهل الفلاح، ونهاهم عن التفرق والاختلاف؛ لأنه من أسباب الهلاك، فقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
                        وأثنى الله على طائفة من أهل الكتاب وذكر أن من أوصافها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين أنها داخلة في عداد الصالحين، فقال -تعالى-: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ .
                        ونعت الله المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله، وعاوضهم بها الجنة، ونعتهم بصفات جميلة وخلال جليلة، ومن هذه الصفات أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقال -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ .
                        ثم نعتهم فقال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ .
                        وقد أمر الله نبيه أن يأمر عباده بالمعروف، فقال: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ والمراد بالعرف المعروف، وكل ما يعرفه الشرع، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، فالأمر بالمعروف دعوة إلى الله وإلى شرعه، فهي سبيل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسبيل أتباعه، قال الله -تعالى-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي .
                        وقد أمر الله نبيه أن يدعو إلى سبيله، وأن تكون دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي أحسن، فقال -تعالى-: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وخطاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- خطاب لأمته فتكون مقصود بالخطاب.
                        والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق من أخلاق المؤمنين ووصف من أوصافهم الحميدة، وما ذاك إلا لأنه دعوة إلى الله وإلى دينه، وما انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها إلا بالدعوة إليه، وبيان محاسنه وفضائله وآدابه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن الداعية إلى الله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يصيبه أذى، فهو محتاج إلى الصبر على ما يصيبه من أذية الناس له بالقول أو بالفعل، ومن وصية لقمان الحكيم لابنه فيما حكى الله عنه إقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى، قال الله -تعالى- حكاية عنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ .
                        وقد أقسم الله -تعالى- أن كل إنسان خاسر إلا من آمن وعمل، ودعا إلى الله، وصبر على ذلك، فقال -تعالى-: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .
                        فشملت هذه السورة -على قصرها- جميع شرائع الإسلام، وعلى ما فيه الربح والفلاح والفوز وهو الإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ولذلك يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: لو لم ينزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي له أن يعرف ثلاثة أمور قررها أهل العلم:
                        الأول: أن يعرف ما يأمر به وما ينهى عنه.
                        الثاني: أن يكون رقيقًا فيما يأمر به، وفيما ينهى عنه.
                        الثالث: أن يكون صابرًا على ما يصيبه من الأذى في ذلك.
                        كما قرر أهل العلم أنه إذا كان يحصل بسبب إنكار المنكر افتراق، أو كان يترتب على إنكاره حصول منكر أعظم منه لم يجز إنكاره؛ لأن الإنكار في هاتين الحالتين مضرة على الدين والدنيا، والمسلم يسعى فيما فيه صلاح دينه ودنياه، فالواجب على من أراد إنكار المنكر أن يعرف -أولًا- أن هذا مخالف لأمر الله، فإن المعرفة أول درجات الإنكار، فلا يجوز إنكار مسألة لا يعرف حكم الله فيها، ثم يجب عليه -ثانيًا- إذا ذُكر له منكر التثبت وعدم التسرع والعجلة؛ لأن الله -تعالى- يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا .
                        فإذا ظهر وتبين وتحقق أنه منكر، وجب عليه -ثالثًا- الإنكار بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، فإن ذلك أدعى إلى القبول، قال الله -تعالى-: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
                        وإذا كان الله -تعالى- نهى عن مجادلة من لم يظلم من أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن في قوله -تعالى-: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فغيرهم من الأمة المحمدية أولى بأن لا يجادل من لم يظلم منهم إلا بالتي هي أحسن، ثم إنه يجب على المُنْكِر -رابعًا- أن يعمل بالظاهر، وأن لا ينقّب عن السرائر، ويفتش عن ما خفي أمره.
                        فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعرف منافقين بأعيانهم ويقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، فإذا ظهر منهم وتحقق ما يوجب جهادهم جاهدهم، وكذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم- فإن عمر قتل منافقًا أظهر نفاقه، وأعلن أنه لم يرض بحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

                        تعليق

                        • #13

                          رد: صفات المؤمنين

                          الإنفاق في السراء والضراء
                          13- الصفة الثالثة عشر من صفات المؤمنين المتقين الإنفاق في السراء والضراء:
                          وقد ذكر الله -تعالى- هذه الصفة من صفات المتقين الذين أعد لهم الجنة مع أوصاف أخرى، جزاء لهم على أعمالهم الطيبة الصالحة، مع وعدهم بالمغفرة من ربهم لذنوبهم، قال -تعالى-:
                          وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
                          ومعنى الإنفاق في السراء والضراء أي: في الشدة والرخاء، والمنشط والمكره، والصحة والمرض، وفي جميع الأحوال، كما قال -تعالى- في الآية الأخرى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً .
                          ثم ذكر جزاءهم فقال: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وقال -تعالى-: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا فهم لا يشغلهم أمر عن طاعة الله، والإنفاق في محابه.
                          وقال -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ومراضيه، والإحسان إلى خلقه من قرابتهم وغيرهم بأنواع البر، كما قال -تعالى-: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ .
                          وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .
                          وفي الحديث القدسي يقول الله -تعالى-: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك متفق عليه، من حديث أبي هريرة وقد قال الله -تعالى- في كتابه العظيم: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وقال -تعالى-: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ وقال -تعالى-: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ .
                          وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها أخرجه البخاري ومسلم
                          ومعنى الحديث: ينبغي أن لا يغبط أحد إلا على هاتين الخصلتين، وعن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: اتقوا النار، ولو بشق تمرة أخرجه البخاري ومسلم
                          وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر رواه البخاري
                          وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا رواه البخاري ومسلم
                          وقال -عليه الصلاة والسلام-: أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله -تعالى- بها الجنة رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
                          وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا يعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل رواه مسلم
                          وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت، ومن لم تعرف متفق عليه.
                          وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا توكي فيوكي الله عليك وفي رواية: أنفقي أو انفحي أو انضحي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك متفق عليه ومعنى: انفحي بالحاء المهملة وكذا انضحي، معناه: أنفقي.
                          وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد، من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وقرت على جلده حتى تختفي بناه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسّعها فلا تتّسع متفق عليه والجُنّة هي الدرع.
                          وقال -عليه الصلاة والسلام-: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ويقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل متفق عليه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- والفلوّ: المهر، وقول: بعدل تمرة أي: بقيمتها.

                          تعليق

                          • #14

                            رد: صفات المؤمنين

                            كظم الغيظ
                            14- الصفة الرابعة عشر من صفات المؤمنين كظم الغيظ:
                            وقد ذكر الله -تعالى- هذه الصفة في أوصاف المتقين الذين وعدهم بالمغفرة لذنوبهم، وأعدّ لهم الجنة جزاء لهم على أعمالهم الصالحة الطيبة، وأمر عباده بالمسارعة إلى المغفرة والجنة، وذلك يكون بالمسارعة إلى أسباب ذلك، وهي الأعمال الصالحة، فقال -تعالى-:
                            وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
                            وكظم الغيظ: رده في الجوف، يقال: كظم غيظه، أي: سكت عليه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بعدوّ، وكظمت السقاء أي: ملأته وسددته عليه، والكظامة ما يسدّ به مجرى الماء، وفيه رجل كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئًا غمًّا وحزنًا، وفي القرآن الكريم: وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ وقوله ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ وقوله إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ .
                            والغيظ أصل الغضب، وكثيرا ما يتلازمان، لكن فرقان ما بينهما: أن الغيظ لا يظهر على الجوارح بخلاف الغضب، فإنه يظهر في الجوارح مع فعل ما، ولا بد .
                            فوصف الله -تعالى- المتقين بقوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: الجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، والمعنى: أنه إذا ثار بهم الغيظ كظموه أي: كتموه، فلم يعملوه ؛ إذ الكظم حبس الشيء عند امتلائه، وكظم الغيظ أن يمتلئ غيظًا فيرده في جوفه ولا يظهره.
                            ومنه قوله -تعالى-: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ .
                            وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ليس الشديد بالصُّرعَة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب أخرجه أحمد والبخاري ومسلم
                            وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني، قال: لا تغضب فردد مرارا قال: لا تغضب رواه البخاري
                            وقال -عليه الصلاة والسلام-: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ رواه الإمام أحمد وأبو داود
                            وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
                            وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من جُرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد الله إلا ملأ الله جوفه إيمان أخرجه الإمام أحمد
                            قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: وإسناده حسن ليس فيه مجروح، ومتنه حسن.

                            تعليق

                            • #15

                              رد: صفات المؤمنين

                              العفو عن الناس
                              15- الصفة الخامسة عشرة من صفات المتقين العفو عن الناس:
                              وقد ذكر الله -تعالى- هذه الصفة في أوصاف المتقين الذين وعدهم بالمغفرة لذنوبهم، وأعد لهم الجنة جزاء لهم على أعمالهم الصالحة، وأمر عباده بالمسارعة إلى المغفرة والجنة، وذلك بالمسارعة إلى أسباب ذلك وهي الأعمال الصالحة، فقال -تعالى-:
                              وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
                              فقوله -تعالى- في هذه الآية: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ أي: عمن ظلمهم وأساء إليهم، وهذا عام وهو ظاهر بالآية، فهم مع كف الشرّ يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال.
                              والعفو عن الناس من أجلّ ضروب الخير، حيث يجوز للإنسان أن يعفو، وحيث يتّجه حقه، وكل من استحق عقوبة فتركت له، فقد عُفي عنه.
                              وفي الحديث: ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدًا يعفو إلا عزًا، ومن تواضع لله رفعه .
                              وروى الحاكم في مستدركه، من حديث موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن أبي طلحة القرشي عن عبادة بن الصامت عن أُبيّ بن كعب -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من سرّه أن يشرف له البنيان، وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه، ويعط من حرمه، ويصل من قطعه ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
                              وقد قال -تعالى- في سورة الشورى في وصف الذين آمنوا: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ أي: سجيّتهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس.
                              وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما انتقم لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمات الله، وقال إبراهيم النخعي كان المؤمنون يكرهون أن يُستذلّوا، وكانوا إذا قدروا عفوا، وأخرجه ابن أبي حاتم عنه.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X