Follow us on Steam Follow us on FB Follow us on Twitter Subscribe on Youtube

صفات المؤمنين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • #16

    رد: صفات المؤمنين

    من صفات المتقين الإحسان
    16- الصفة السادسة عشرة من صفات المتقين الإحسان:
    وقد ذكر الله -تعالى- هذه الصفة في أوصاف المتقين الذين وعده بالمغفرة لذنوبهم، وأعدّ لهم الجنة جزاء لهم على أعمالهم الطيبة، وأمر عباده بالمسارعة إلى المغفرة والجنة، وذلك بالمسارعة إلى أسباب ذلك، وهي الأعمال الصالحة، فقال -تعالى-:
    وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
    فوصف الله -تعالى- المتقين بالإحسان في قوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ والإحسان أعلى مقامات الطاعة، وهو يشمل الإحسان في الأقوال وفي الأعمال، وفي الاعتقاد، كما قال -تعالى-: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أي: أحسنوا في الإنفاق في الطاعة، روى ذلك عن بعض الصحابة
    وفي الأقوال: يقول الله -تعالى-: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الحسن البصري في هذه الآية: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا .
    " فالحسن من القول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم ويصفح، ويقول للناس حسنًا كما قال الله، وهو كل خلق حسن رضيه الله" ا.هـ.
    ويدخل في ذلك: الأمر بالتوحيد، كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: المعنى: قولوا لهم: لا إله إلا الله، ومروهم بها.
    وقال ابن جريج قولوا للناس صدقًا في أمر محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا تغيروا نعته، وقال أبو العالية قولوا لهم الطيب من القول، وجازوهم بأحسن ما يحبون أن تجازوا به، والآية أعم من ذلك كله.
    وبالجملة فالإحسان يشمل الأقوال والأعمال والاعتقادات؛ إذ الإحسان مصدر أحسن العمل يحسنه إحسانا إذا جاء به حسنا، والإحسان هو الذي خلق الله الخلائق من أجل الاختبار فيه، أيحسنوا العمل أم لا، كما قال الله -تعالى- في أول سورة هود وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا .
    فبين أن الحكمة في الخلق ابتلاؤه الخلق أيهم أحسن عملًا، ولم يقل أيهم أكثر عملًا، وقال في أول سورة الكهف: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا ثم بين الحكمة فقال: لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وقال في أول سورة الملك الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ثم بين الحكمة فقال: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا .
    والإحسان الذي خلقنا من أجل الابتلاء فيه هو الذي أراد جبريل أن ينبه المسلمين إلى الطريق التي يصح فيها الإحسان، حينما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، فبين له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن إحسان العمل لا يكون إلا بالواعظ الأكبر والزاجر الأعظم، وهو مراقبة الله، وعلم العبد أنه كأنه ينظر إلى الله -تعالى-، وأنه إن كان لم ير الله فالله -عز وجل- يراه.
    فعلى العبد أن يستشعر بأنه بين يدي خالق السماوات والأرض، وأنه يراه، وأنه ليس بغائب عنه، فإذا لاحظ العبد ذلك ملاحظة صحيحة أحسن العمل.
    ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في جوابه: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك وقال -تعالى-: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ وقال -تعالى-: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ .

    تعليق

    • #17

      رد: صفات المؤمنين

      التوبة
      17- الصفة السابعة عشر من صفات المؤمنين المتقين التوبة:
      بعد الذنب وعدم الإصرار عليه، وقد ذكر الله -تعالى- هذه الصفة في أوصاف المتقين الذين وعدهم بالمغفرة لذنوبهم، وأعد لهم الجنة جزاء لهم على أعمالهم الطيبة، وأمر عباده بالمسارعة إلى المغفرة والجنة، وذلك بالمسارعة إلى أسباب ذلك، وهي الأعمال الصالحة، فقال -تعالى-:
      وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ .
      فوصف الله -تعالى- المؤمنين المتقين بأنه إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار، ولم يصرّوا على ما فعلوا من الذنب، فلم يقيموا ولم يثبتوا عليه غير مقلعين عنه، وهم يعلمون أن الإصرار ضار، وأن من تاب تاب الله عليه، وأن الله يغفر الذنوب ولا يتعاظمه العفو عنها، وإن كثرت، بل تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب، ولم يستمروا على المعصية.
      وهذا كقوله -تعالى-: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ .
      وقوله -تعالى-: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
      وقوله -تعالى-: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا .
      فأخبر الله -تعالى- عن كرمه وجوده أن كل من تاب تاب الله عليه من أي ذنب كان صغيرًا أو كبيرًا، وهذا فيه بيان من الله -تعالى- لعباده بسعة رحمته ومغفرته وحلمه وكرمه.
      وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن رجلا أذنب ذنبًا، فقال: يا رب، إني أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فقال الله -عز وجل-: عبدي عمل ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب إني عملت ذنبا فاغفره، فقال -تبارك وتعالى-: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنوب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنبًا آخر فقال: رب إني عملت ذنبا فاغفره لي، فقال -عز وجل-: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنبًا آخر فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره، فقال الله -عز وجل-: عبدي علم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، أشهدكم أني قد غفرت لعبدي، فليعمل ما شاء أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وأخرجه الإمام أحمد أيضا
      أقول: وليس هذا الحديث إذنًا في الذنب، بل المعنى أن العبد لا يضره الذنب، مادام إذا وقع في الذنب تاب وندم وأقلع.
      والتوبة من الذنوب والمعاصي عبادة يجب إخلاصها لله -عز وجل-، ولا أحد يغفر الذنوب غير الله -عز وجل-، قال الله -تعالى-: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ .
      وروى الإمام أحمد -رحمه الله- عن الأسود بن سريع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُتِي بأسير فقال: اللهم إني أتوب إليك، ولا أتوب إلى محمد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: عرف الحق لأهله .
      ويتأكد الوضوء وصلاة ركعتين عند التوبة: لما رواه الإمام أحمد -رحمه الله- بسنده، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: كنت إذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا يقضي إليه بما شاء منه، وإذا حدثني غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر حدثني، وصدق أبو بكر أنه سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من رجل يذنب ذنبا، فيتوضأ ويحسن الوضوء - قال مسعر - فيصلي - وقال سفيان: ثم يصلي - ركعتين، فيستغفر الله -عز وجل- إلا غفر له .
      قال الحافظ بن كثير -رحمه الله-: روى هذا الحديث أهل السنن وابن حبان في صحيحه، والبزار والدارقطني من طريق عن عثمان بن المغيرة بسند الإمام أحمد
      وقال الترمذي هو حديث حسن. وبالجملة فهو حديث حسن، وهو من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن خليفة النبي -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر -رضي الله عنهما-، قال: ومما يشهد بصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ- الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء .
      وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنه توضأ لهم وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه .
      ثم قال -رحمه الله-: فقد ثبت هذا الحديث من رواية الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين عن سيد الأولين والآخرين، ورسول رب العالمين، كما دلّ عليه الكتاب المبين، من أن الاستغفار من الذنب ينفع العاصين.

      تعليق

      • #18

        رد: صفات المؤمنين

        طاعة الله ورسوله والاستجابة لله ولرسوله
        18- الصفة الثامنة عشرة من صفات المؤمنين المتقين طاعة الله ورسوله والاستجابة لله ولرسوله:
        لقد وصف الله
        المؤمنين بطاعة الله ورسوله بعد أن وصفهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأنهم يتناصرون ويتعاونون.
        وأخبر -سبحانه- أن الاتصاف بهذه الصفات سبب لرحمة الله، فمن اتصف بهذه الصفات فهو من أهل الرحمة، قال -تعالى-: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .
        وأخبر -تعالى- بما أعده للمؤمنين والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين وماكثين فيها، في مساكن حسنة البناء طيبة القرار، فقال -تعالى-: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ .
        وبين -سبحانه- أن رضى الله عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم، وإن هذا الفوز الذي حصل لهم هو الفوز العظيم على الحقيقة فقال: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
        وقد أمر الله المؤمنين بالاستجابة لله وللرسول، وناداهم باسم الإيمان، فقال -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ .
        فأخبر -تعالى- أن الاستجابة لله وللرسول إذا دعاهم فيه حياة لهم وصلاح لهم؛ لأنه يدعوهم إلى الحق والإيمان وإلى العمل بالقرآن الذي فيه نجاتهم وبقاؤهم وسعادتهم وحياتهم بعد موتهم، وعصمتهم في الدارين.
        وفي الصحيح عن أبي سعيد المعلّى -رضي الله عنه- قال: كنت أصلي، فمر بي النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعاني فلم آتيه حتى صليت، ثم أتيته، فقال: ما منعك أن تأتيني، ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ الحديث.
        فطاعة الله ورسوله والاستجابة لله ولرسوله سبب للحياة الحقيقية، حياة الإيمان والهدى والرشاد والعزة والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد أخبر الله -تعالى- أن ما عند الله من الثواب في الآخرة خير وأبقى للمؤمنين الذين من صفاتهم الاستجابة لربهم، وذلك باتباع رسله وطاعة أمره واجتناب نهيه، مع توكلهم على الله وبعدهم عن الكبائر والفواحش، وإقامتهم للصلاة، وإحسانهم إلى خلق الله بالمال والعفو والحلم وكظم الغيظ عند الغضب، فقال -تعالى-: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ .
        وقد أوضح الله -تعالى- عاقبة المستجيبين والمطيعين لله ولرسوله، وإن عاقبتهم حميدة، وما لهم من السعادة والمال الحسن الطيب، وإن لهم الجزاء الحسن وهو الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فهم في نعمة وحبور وبهجة وسرور، قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأسكنهم فسيح جناته، وأحلهم دار كرامته ورضوانه، فقال -تعالى-: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى أي: المال الحسن والعاقبة الحسنة وهي الجنة.
        كقوله -تعالى- مخبرًا عن ذي القرنين أنه قال: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا وقال -تعالى-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ .
        أما الذين لم يستجيبوا لله ولم يطيعوا الله، فإن عاقبتهم وخيمة، ومصيرهم مؤلم، ومأواهم في الآخرة جهنم بعد سوء الحساب حين يناقشون الحساب، ومن نوقش الحساب عذب، يحاسبون على أعمالهم جليلها وحقيرها، ثم يستفزون في النار وبئس الفراش والمهاد لهم، ويؤدون لو يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملئ الأرض ذهبًا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة، ولكنه لا يتقبل منهم، قال الله -تعالى- فيهم: وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ .

        تعليق

        • #19

          رد: صفات المؤمنين

          إقامة الشهادة والقيام بها
          19- الصفة التاسعة عشر من صفات المؤمنين إقامة الشهادة والقيام بها:
          إن من صفات
          المؤمنين التي مدح الله أهلها وأثنى عليهم: إقامة الشهادة والقيام بها، فقال -تعالى-: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ .
          وأخبر -سبحانه- أنه باتصافهم بذلك مع أوصاف أخرى يدخلون الجنة، يكرمون فيها بالنعيم، فقال -تعالى-: أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ .
          ومعنى إقامة الشهادة: القيام فيها بالحق، والمحافظة عليها، وأداؤها بدون زيادة ولا نقصان، وعدم كتمانها وتغييرها، وأداؤها بالحق عند الحاكم على من كانت عليه من قريب أو بعيد، عدو أو صديق، وقد أمر الله -تعالى- في سورة الطلاق بإقامة الشهادة لله، فقال -تعالى-: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ أي: أدوها ابتغاء وجه الله، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا، خالية من التحريف والتبديل والكتمان.
          وقد أمر الله -تعالى- عباده المؤمنين أن يكونوا قوّامين بالعدل، شهداء لله لا لغيره ولو على أنفسهم أو الوالد أو القريب، فيشهد بالحق، وإن عاد ضرر الشهادة عليهم، فإن الحق حاكم على كل أحد، وسواء كان المشهود عليه غنيًا أو فقيرًا، فلا يراعى لغناه، أو يشفق عليه لفقره.
          فالله -تعالى- يتولى الغني والفقير، وهو أولى بهم من الشهادة، وأعلم بما فيه صلاحهما، وينبغي للشاهد وغيره أن يلزم العدل في أموره وشئونه كلها، ويلزم العدل على أي حال، ولا يحمله الهوى والعصبية والبغض على ترك العدل، قال الله -تعالى- في ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا .
          قال -سبحانه- في آية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .
          فأمر الله المؤمنين أن يكونوا قوامين بالحق لله -عز وجل- لأجل الرياء والسمعة، وأن يكونوا شهداء بالعدل لا بالجور، بل يستعملون العدل في كل أحد، صديقًا كان أو عدوًا.
          وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أنه قال: نحلني أبي نحلةً، فقالت أمي -عمرة بنت رواحة-: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء ليشهده على صدقتي، فقال: أكل ولدك نحلته مثله؟ قال: لا، قال: اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم -وقال-: إني لا أشهد على جور فرجع أبي فردّ تلك الصدقة.
          وقد توعد الله من كتم الشهادة وتركها أو حرّفها وغيرها، وتعمّد الكذب فيها فإنه سيلقى جزاءه عند الله؛ لأن الله -تعالى- خبير بعمله وقصده ونيته، فيجازيه على ذلك بما يستحقه قال -تعالى-: وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وقال -تعالى-: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ أي: لا تخفوها وتغلّوها إذا دعيتم إلى إقامتها وأدائها، ومن فعل ذلك فهو فاجر قلبه، كقوله في الآية الأخرى: وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ .
          وخصّ القلب بالذكر؛ لأن الكتمان من أفعاله، وهو المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد، وبفسادها يفسد الجسد، كما قال -صلى الله عليه وسلم- ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب أخرجه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
          وإضافته الإثم إلى القلب أبلغ في الوعيد؛ لأن إثم القلب سبب مسخه، والله -تعالى- مسخ قلبًا جعله منافقًا وطبع عليه. نعوذ بالله من ذلك .
          وقد نهى الله -تعالى- الشهداء عن الامتناع من تحمل الشهادة إذا دعوا إلى ذلك، وكذا إذا دعوا إلى إقامة الشهادة وأدائها، بل عليهم الإجابة إذا تعينت عليه، قال -تعالى-: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وتحمّل الشهادة فرض كفاية على الصحيح، وكذا أدائها فرض كفاية كما هو مذهب جمهور العلماء
          وقد ثبت في صحيح مسلم ورواه أهل السنن أيضا من حديث زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه قال: ألا أخبركم بخير الشهداء؟ هو الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها .
          لكنه عارضه حديث عمران بن حصين الذي أخرجه الشيخان ومسلم - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلومونهم، ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن .
          ومثله حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته أخرجه البخاري في صحيحه.
          وقد اختلف العلماء في الجمع بينهم على أقوال أحسنها وأرجحها أن حديث زيد بن خالد الجهني محمول على ما إذا كان عند الشاهد شهادة بحق، لا يعلم بها صاحب الحق، أو يغلب على ظنه أنه نسيها، فيأتي إليه فيخبره بها، أو يموت صاحبها فيخلف ورثة، فيأتي إليهم فيخبرهم بأن عنده لهم شهادة.
          الثاني: أن حديث زيد بن خالد الجهني محمول على شهادة الحسبة: وهي ما لا يتعلق بحقوق الآدميين المختصة بهم محضًا، ويدخل في الحسبة ما يتعلق بحق الله -تعالى-، أو فيه شائية منه كالصلاة والوقف والوصية العامة ونحوها، أما حديث عمران بن حصين وحديث عبد الله بن مسعود فهما محمولان على الشهادة في حقوق الآدميين المحضة.
          الثالث: أن قوله في حديث زيد بن خالد الجهني الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها محمول على المبالغة في الإجابة، فيكون لقوة استعداده كالذي أتى بها قبل أن يسألها، كما يقال في حق الجواد: أنه ليعطي قبل الطلب.
          وهذه الأجوبة مبنية على أن الشهادة لا تؤدى قبل أن يطلبها صاحب الحق، ومن العلماء من أجاز تأدية الشهادة قبل طلب صاحب الحق لها، عملًا بحديث زيد بن خالد الجهني وأجاب عن عمران بن حصين وحديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- بأجوبة:
          أحدهما: أنهما محمولان على شهادة الزور، والمعنى: أنهم يؤدون شهادة لم يسبق لهم بها علم، حكى هذا القول الترمذي عن بعض أهل العلم.
          الثاني: أنهما محمولان على شهادة الإنسان على ما لا يعلم مما سيكون من الأمور المستقبلة، فيشهد على قوم بأنهم من أهل النار وعلى قوم بأنهم من أهل الجنة كما يفعل ذلك أهل البدع.
          الثالث: أنهما محمولان على إتيان أهل الشاهد بالشهادة بلفظ الحلف، كأن يقول: أشهد بالله ما كان إلا كذا .
          قلت: وأرجح هذه الأقوال: القول الأول، وهو أن الأصل ألا يؤدي الشهادة حتى تطلب منه؛ عملًا بحديث عمران بن حصين وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- ونحوهما، مما فيه ذم المتسرّع بالشهادة قبل أن تطلب منه، وحديث زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- محمول على ما إذا كان صاحب الحق لا يعلم بالشهادة، أو يغلب على ظن الشاهد أنه نسيها، أو مات صاحب الحق وورثته لا يعلمون بالشهادة؟ فيأتي الشاهد، فيخبر صاحب الحق بالشهادة التي له عنده، ونسأل الله -تعالى- أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فإنه -سبحانه- يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

          تعليق

          • #20

            رد: صفات المؤمنين

            التوكل على الله
            20- الصفة العشرون من صفات المؤمنين التوكل على الله:
            التوكل من صفات
            المؤمنين كاملي الإيمان، فهو من صفات المؤمنين حقًا، والتوكل فريضة يجب إخلاصها لله -تعالى-، وهو من أفضل العبادات، وأعلى مقامات التوحيد، ولا يقوم به على وجه الكمال إلا خواص المؤمنين
            وقد أمر الله بالتوكل في آيات كثيرة من كتابه أكثر مما أمر بالوضوء والغسل من الجنابة، بل جعل الله -تعالى- التوكل شرط في الإيمان وشرط في الإسلام، قال الله -تعالى-: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
            ومفهوم الآية انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل، قال ابن القيم -رحمه الله- على هذه الآية: فجعل التوكل على الله شرطًا في الإيمان، فدل على انتفاء الإيمان عند انتفائه" ا.هـ.
            وقال -تعالى-: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فجعل التوكل شرطًا في الإسلام، ومفهوم الآية: انتفاء الإسلام عند انتفاء التوكل، قال ابن القيم -رحمه الله-: فجعل دليل صحة الإسلام التوكل ا.هـ.
            وقال -تعالى- آمرا بالتوكل: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وقال -تعالى-: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا وقال -تعالى-: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا وقال -تعالى-: أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا وقال -تعالى-: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ .
            والتوكل لا بد فيه من أمرين: ‌
            أحدهما: تفويض الأمر إلى الله، واعتماد القلب على الله مع صحة الإيمان.
            والثاني: فعل الأسباب التي أمر الله بها دينية أو دنيوية، فالدينية: أداء الفرائض والانتهاء عن المحارم، ومثل طلب العلم الشرعي، والدنيوية: كالحرث والزراعة والتجارة وغير ذلك.

            والتوكل في اللغة: قال في القاموس: " وكل بالله يكل وتوكل على الله، وأوكل واتَّكل: استسلم إليه، ووكل إليه الأمر وكلا ووكولا سلمه وتركه" ا.هـ.
            وقال ابن الأثير الجزري يقال: توكل بالأمر إذا ضمن القيام به، ووكلت أمري إلى فلان أي: ألجأته واعتمدت عليه فيه، ووكل فلان فلانًا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته، أو عجز عن القيام بأمر نفسه" ا.هـ.
            والتوكل على الله من صفات المؤمنين حقا الذين وعدهم الله -تعالى- بدرجات عند ربهم، ووعدهم بالمغفرة لذنوبهم، ووعدهم برزق كريم، وهو ما أعد لهم في الجنة، قال الله -تعالى-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ .
            فأخبر -تعالى- أن المتصفين بهذه الصفات هم المؤمنون حق الإيمان، ومن صفاتهم العظيمة أنهم على ربهم يتوكلون، أي: يفوضون إليه أمورهم، ويثقون به، ولا يرجون غيره، ولا يخافون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه.
            والتوكل على الله من صفات السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما ورد بذلك الحديث الذي رواه الشيخان - البخاري ومسلم - والترمذي والنسائي في عرض الأمم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن أمته لما عرضت عليه قيل له: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ولما خاض الناس فيهم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون .
            " فذكر في أعمالهم وأوصافهم الأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال وهو التوكل على الله، وصدق الالتجاء إليه، والاعتماد بالقلب عليه، الذي هو خلاصة التفريد، ونهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف من المحبة والخوف والرجاء، والرضا بالله ربًا وإلهًا، والرضا بقضائه" .
            فالتوكل على الله من الصفات القلبية؛ لأنه تفويض للأمور كلها لله واعتماد بالقلب عليه، وهو يدعو ويوجب ويقتضي من المتوكل فعل الأسباب ومباشرتها، فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري لا انفكاك لأحد عنه حتى الحيوان البهيم، بل نفس التوكل مباشرة لأعظم الأسباب، كما قال الله -تعالى-: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ أي: كافية، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا طمع لعدوه فيه.
            ومباشرة الأسباب لا ينافي التوكل كما لا ينافي دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وتعطيلها يقدح في نفس التوكل كما يقدح في أمر الرب وحكمته.
            قال بعض السلف في قوله -تعالى-: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ جعل الله لكل عمل جزاء من نفسه، وجعل التوكل عليه نفس كفايته فقال: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ا. هـ.
            وفي هذه الآية دليل على فضل التوكل، وأنه أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار؛ لأن الله علق الجملة الأخيرة: فَهُوَ حَسْبُهُ على الجملة الأولى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ تعليق الجزاء على الشرط، ورتب الحكم على الوصف المناسب له، فعلم أن التوكل على الله هو سبب كون الله حسْبًا، له ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- .
            فالتوكل على الله عبادة وفرض، وصرفه لغير الله شرك، لكن التوكل على غير الله قسمان:
            أحدهما: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله، كالذين يتوكلون على الأموات والطواغيت في رجاء مطالبهم من النصر والحفظ والرزق والشفاعة، فهذا شرك أكبر؛ لأن هذه الأمور ونحوها لا يقدر عليها إلا الله.
            الثاني: التوكل في الأسباب الظاهرة العادية كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما جعله الله بيده من الرزق أو دفع الأذى ونحو ذلك، فهذا شرك أصغر، لما فيه من ميل القلب إلى المخلوق، وإن كانت الأسباب ظاهرة .
            وأسأل الله -تعالى- أن ينفع بهذه الكلمات في هذا البحث المتواضع، وأن يجعلني أول المنتفعين، وأن يجعل ذلك خالصًا مرادًا به وجه الله -سبحانه-، وأسأل الله -سبحانه- أن يوفقني في المستقبل لمواصلة الكتابة في هذا الموضوع، إنه -سبحانه- خير مسئول وأكرم مسئول.
            وأسأله -سبحانه- أن يوفقني وإخواني المسلمين للعمل الصالح الذي يرضيه، ومجاهدة النفس للاتصاف بصفات المؤمنين وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- إنه -سبحانه- حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

            تعليق

            • #21

              رد: صفات المؤمنين

              بورك فيك ونفع بك.
              sigpic

              شكر الله لك أخي السامر

              تعليق

              • #22

                رد: صفات المؤمنين

                جزاكم الله خير

                تعليق

                • #23

                  رد: صفات المؤمنين

                  الله يجزاك عنا كل خير

                  تعليق

                  • #24

                    رد: صفات المؤمنين

                    جزاك الله خير على الموضوع القيم

                    بارك الله فيك وفي طرحك الطيب

                    لك شكري وتقديري
                    sigpic
                    شكراً لك اخي السامر على الإهداء

                    تعليق

                    • #25

                      رد: صفات المؤمنين

                      امين واياكم شاكر لك تواجدك الطيب

                      تعليق

                      • #26

                        رد: صفات المؤمنين

                        تبيان

                        أحسنتِ ...موضوع قيم وهادف

                        الكل يدعي أنه مؤمن لكن المؤمن له صفات تميزه عن غيره

                        فالمؤمن الكامل هو الذي يحسن الظن بالله تعالى فلا تغيره الظروف والأحوال

                        قال سبحانه وتعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات /

                        فمن آمن بالله فإن للإيمان مقتضيات لا يكون بغيرها فـكلمة "يا أيها الذين آمنوا" هي عقد إيماني بيننا وبين الله، كأن الله عز وجل يقول: يا من آمنتم بوجودي، وآمنتم بوحدانيّتي، وآمنتم بكمالي، يا من آمنتم برحمتي، وحكمتي، وعدلي، يا من آمنتم بأسمائي الحسنى وصفاتي الفضلى، ما دمتم قد آمنتم افعلوا كذا وكذا"

                        اللهم علمنا ما ينقعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً والحمد لله رب العالمين

                        تقديري مع أطيب الأمنيات ...



                        تعليق

                        يعمل...
                        X